سورة الأحزاب - تفسير تفسير الألوسي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الأحزاب)


        


{يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ اتَّقِ اللَّهَ وَلَا تُطِعِ الْكَافِرِينَ وَالْمُنَافِقِينَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (1)}
{يَا أَيُّهَا النَّبيُّ اتَّق الله} ناداه جل وعلا بوصفه عليه الصلاة والسلام دون اسمه تعظيمًا له وتفخيمًا قال في الكشاف. إنه تعالى جعل نداءه من بين الأنبياء عليهم السلام بالوصف كرامة له عليه الصلاة والسلام وتشريفًا وربأ حله وتنويهًا بفضله، وأوقع اسمه في الأخبار في قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29] {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] لتعليم الناس بأنه رسول وتلقين لهم أن يسموه بذلك ويدعوه به فلا تفاوت بين النداء والأخبار، ألا ترى إلى ما لم يقصد به التعليم والتلقين من الأخبار كيف ذكره تعالى بنحو ما ذكره في النداء كما في قوله تعالى: {لَقَدْ جَاءكُمْ رَسُولٌ مّنْ أَنفُسِكُمْ} [التوبة: 128] {وَقَالَ الرسول يارب} [الفرقان: 30] {النبى أولى بالمؤمنين مِنْ أَنْفُسِهِمْ} [الأحزاب: 6] إلى غير ذلك.
وتعقبه في الكشف بأن أمر التعليم والتلقين في قوله تعالى: {مُّحَمَّدٌ رَّسُولُ الله} [الفتح: 29] ظاهر أما في قوله تعالى: {وَمَا مُحَمَّدٌ إِلاَّ رَسُولٌ} [آل عمران: 144] فلا، على أن قوله تعالى: {والذين ءامَنُواْ وَعَمِلُواْ الصالحات وَءامَنُواْ} [محمد: 2] ينقض ما بناه، نعم النداء يناسب التعظيم ورا يكون نداء سائر الأنبياء عليهم السلام في كتبهم أيضًا على نحو منه، وحكى في القرآن باسمائهم دفعًا للالباس، والاسبه أنه لما قل ذكره صلى الله عليه وسلم باسمه دل على أنه أعظم شأنًا صلوات الله تعالى وسلامه عليه وعليهم أجمعين، وفيه نظر.
واختار الطيبي طيب الله تعالى ثراه أن النداء المذكور هنا للاحتراس وجبر ما يوهمه الأمر والنهي كقوله تعالى: {عَفَا الله عَنكَ لَّمًّا *أَذِنتَ لَهُمْ} [التوبة: 43] وظاهر سياق ما بعد أن المعنى بالأمر بالتقوى هو النبي صلى الله عليه وسلم لا أمته كما قيل في نظائره والمقصود الدوام والثبات عليها، وقيل: الازدياد منها فإن لها بابًا واسعًا وعرضًا عريضًا لا ينال مداه {وَلاَ تُطِعِ الكافرين} أي المجاهرين بالكفر {والمنافقين} المضمرين لذلك فيما يريدون من الباطل؛ أخرج ابن جرير عن الضحاك عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال: إن أهل مكة منهم الوليد بن المغيرة. وشيبة بن ربيعة دعوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يرجع عن قوله على أن يعطوه شطر أموالهم وخوفه المنافقون واليهود بالمدينة إن لم يرجع قتلوه فنزلت، وذكر الثعلبي. والواحدي بغير إسناد أن أبا سفيان ابن حرب. وعكرمة بن أبي جهل. وأبا الأعور السلمي قدموا عليه عليه الصلاة والسلام في زمان الموادعة التي كانت بينه صلى الله عليه وسلم وبينهم وقام معهم عبد الله بن أبي.
ومعتب بن قشير. والجد بن قيس فقالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم ارفض ذكر آلهتنا وقل: إنها تشفع وتنفع وندعك وربك فشق ذلك على النبي صلى الله عليه وسلم والمؤمنين وهموا بقتلهم فنزلت، وقيل: نزلت في ناس من ثقيف قدموا على رسول الله صلى الله عليه وسلم فطلبوا منه عليه الصلاة والسلام أن يمتعهم باللات والعزى سنة قالوا: لتعلم قريش منزلتنا منك ولا يبعد أن يكون المراد بالنهي الثبات على عدم الإطاعة، وذكره بعد الأمر بالتقوى المراد منه الثبات عليها على ما قيل من قبيل التخصيص بعد التعميم لاقتضاء المقام الاهتمام به، وقيل: من قبيل التأكيد، وقيل: متعلق كل من التقوى والإطاعة مغاير للآخر على ما روي الواحدي، والثعلبي، والمعنى اتق الله تعالى في نقض العهد ونبذ الموادعة ولا تطع الكافرين من أهل مكة والمنافقين من أهل المدينة فيما طلبوا منك من رفض ذكر آلهتهم وقولك: إنها تشفع وتنفع وكأنه إنما قدم الأمر بقتوى الله تعالى في نقض العهد لما أن المؤمنين قد هموا بما يقتضيه بخلاف الإطاعة المنهى عنها فإنها مما لم يهم بما يقتضيها أحد أصلًا فكان الاهتمام بالأمر أتم من الاهتمام بذلك النهي {إِنَّ الله كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا} مبالغًا في العلم والحكمة فيعلم الأشياء من المصالح والمفاسد فلا يأمرك إلا بما فيه مصلحة ولا ينهاك ألا عما فيه مفسدة ولا يحكم إلا بما تقتضيه الحكمة البالغة فالجملة تعليل للأمر والنهي مؤكد لوجوب الامتثال بها.
وقيل: المعنى إن الله كان عليمًا ن يتقي فيجازيه بما يليق به حكيمًا في هدى من شاؤوا ضلال من شاء فالجملة تسلية له صلى الله عليه وسلم، وليس بشيء، وقوله تعالى:


{وَاتَّبِعْ مَا يُوحَى إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا (2)}
{واتبع مَا يوحى إِلَيْكَ مِن رَبّكَ} عطف على ما تقدم من قبيل عطف العام على الخاص أي اتبع في كل ما تأتي وتذر من أمور الدين ما يوحى إليك من الآيات التي من جملتها هذه الآية الآمرة بتقوى الله تعالى الناهية عن إطاعة الكفرة والمنافقين، والتعرض لعنوان الربوبية لتأكيد وجوب الامتثال بالأمر {إِنَّ الله كَانَ بما تَعْمَلُونَ خَبِيرًا} قيل: الخطاب للرسول صلى الله عليه وسلم والجمع للتعظيم، وقال أبو البقاء: إنما جاء بالجمع لأنه عني بقوله تعالى: {أَتَّبِعُ مَا يِوحَى} إلخ اتبع أنت وأصحابك؛ وقيل: للغائبين من الكفرة المنافقين وبطريق الالتفات. ولا يخفى بعده. نعم يجوز أن يكون للكل على ضرب من التغليب، وأيًا ما كان فالجملة تعليل للأمر وتأكيد لموجبه فكأنه قيل على الأول: إن الله تعالى يعلم بما تعمل فيرشدك إلى ما فيه الصلاح فلابد من اتباع الوحي والعمل قتضاه حتمًا، وعلى الثاني إن الله تعالى خبير بما يعمل الكفرة والمنافقون من الكيد والمكر فيأمرك سبحانه بما يدفعه فلابد من اتباع ما يوحيه جل وعلا إليك، وعلى الثالث إن الله تعالى خبير بما تعمل ويعمل الكفرة والمنافقون فيرشدك إلى ما فيه صلاح حالك ويطلعك على كيدهم ومكرهم ويأمرك جل شأنه بما يدفع ذلك ويرده فلابد من اتباع وحيه تعالى والعمل وجبه. وقرأ أبو عمرو {يَعْمَلُونَ} بياء الغيبة على أن الضمير للكفرة والمنافقين.
وجوز كونه عامًا فلا تغفل.


{وَتَوَكَّلْ عَلَى اللَّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ وَكِيلًا (3)}
{وَتَوَكَّلْ عَلَى الله} أي فوض جميع أمورك إليه عز وجل: {وكفى بالله وَكِيلًا} حافظًا موكولًا إليه الأمور، والإظهار في مقام الإضمار للتعظيم ولتستقل الجملة استقلال المثل.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8